مع بداية العدوان الأخير، تحول دوامنا لنظام ٢٤ ساعة وانقسم أطباء الطوارىء إلى ثلاثة فرق، كل عدد من الأطباء منوط به مسؤولية معينة، فمنهم من يستقبل حالات الباطنة ومنهم من يفرز الحالات القادمة ومنهم من يستقبل حالات الجراحة. عدد الأطباء في هذه المرحلة لا يقل عن ٨ أطباء، وإذا حصل عجز في مكان ما، يتدخل طبيب من الأقسام الأخرى ليعوض العجز في حال كثرت الاصابات القادمة إلى المستشفى مثلاً. هناك دائمًا عجز في الادوات الطبية وأعداد الأسرة، ففي وقت ما من هذا العدوان كان قسم الطوارئ يوجد به قسم مختص لاستقبال حالات الاشتباه بفيروس كوفيد ١٩ ولكن مع بداية العدوان فتح القسم على مصراعيه. ما نحتاجه في المستشفى هو كوادر طبية مدربة للتعامل مع الحالات القادمة وعدة طبية كافية لأنه منذ بداية الحصار على غزة بات هناك عجز مطرد في المستلزمات الطبية
بطبيعة الحال، عندما نستقبل المصابين نكون على أتم الاستعداد، وأحيانًا يتم تبليغنا بأنه سيصل حالات جراء قصف ما في المنطقة، معظم الحالات يرافقها جلبة كبيرة وصراخ وعويل وتدخلات رجال الأمن الذين يحاولون ابعاد الناس لكي يستطيع الطاقم الطبي التعامل مع الحالة. نحاول قدر الامكان أن نتعامل باحترافية شديدة مع الحالات، رغم الجو المشحون في المستشفى، الذي يملؤه القلق والتوتر وصراخ الناس.
لقد عملت في مستشفى أبو يوسف النجار لفترة قصيرة، وأعرف جيدًا ماذا سيحصل لو حصل وأن تضاعف القصف في رفح وازدادت الحالات القادمة للمستشفى التي هي أشبه بعيادة صغيرة. أسرة قليلة وكوادر غير مدربة. وهذا ما لا أريد أن أتخيله، أن يتكرر سيناريو الجمعة السوداء، ستنهار المستشفى تمامًا وسيقف الطاقم الطبي عاجزًا أمام هول الحدث.
عندما آخد استراحة قصيرة من الدوام، كل ما أفعله هو ان أحظى بكوب من القهوة وقطعًا من كعك العيد الذي أعدته أمي في رمضان. ولكن طوال الوقت نتابع الأخبار بقلوب وجلة وهذا هو حال أغلب الطاقم الطبي، بعضنا يهرع لمشاهدة السماء وهي تعج بالصواريخ، وكلّنا ندعو للمقاومة ونحلم بانتصارات صغيرة.